بسم الله الرحمن الرحيم
استقبال رمضان
جامع المصطفي في يوم 22/9/2006
الحمد لله الملك العلام ذي الجلال والإكرام ذي الطول والإنعام فاضل بين الليالي والأيام يخلق ما يشاء ويختار . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأساله النجاة من النار . واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان خيرة خلق الله . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلي يوم الدين . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين : بسم الله الرحمن الرحيم ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون . أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر وعلي الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون . شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون) .
عباد الله أيها المسلمون :
الصوم أحد فرائض الإسلام الخمسة التي علمت من الدين بالضرورة . وهو واجب بالكتاب والسنة والإجماع . أما الكتاب فلقوله تعالي " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه " . وأما السنة فقد روي الإمام مسلم رحمه الله عن بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال " بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان حج البيت من استطاع إليه سبيلا " . وأما الإجماع فقد أجمع علماء المسلمين علي أن الصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة ومنكره كافر مرتد .
والصوم لغة : الإمساك ومنه قوله تعالي " فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا . ومعناه شرعا : الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة و سائر المفطرات من طلوع الفجر إلي غروب الشمس بنية مخصوصة هي نية الصيام قال تعالي " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلي الليل " .
ولرمضان فضل عظيم فقد روي بن خزيمة في صحيحه والبيهقي وبن حبان عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلي الله صلي الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس قد أظلكم شهر ميمون مبارك . فيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم . شهر فرض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه ومن أدي فيه فريضة كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه . وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر فيه يزاد رزق المؤمن . من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار وكان له من الأجر مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء وتصلي عليه الملائكة في نهار رمضان ويصلي عليه جبريل في ليلة القدر قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم قال يعطي هذا الثواب لمن فطر صائما علي تمرة أو شربة ماء أو مزقة لبن . وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار . فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين . ما من ليلة فيه إلا ينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ". وروي الإمام الطبراني رحمه الله عن عبادة بن الصامت رحمه الله عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم . خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالي من ريح المسك . وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا . وتصفد فيه مردة الشياطين . ويزين الله كل يوم جنته ويقول يوشك عبادي الصالحون أن يكف عنهم السوء والأذى . وإذا كان آخر ليلة من رمضان يغفر الله لهم جميعا قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا لكن العامل يوفي أجره إذا قضي عمله ".
وللصوم في رمضان فضائل كثيرة ( 1) فضائل لا يعلم علمها إلا الذي منحها فقد روي الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قال الله تعالي " كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالي من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه " . (2) والصوم يشفع للإنسان يروي الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشراب فشفعني فيه ويقول القرآن أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ". (3) ورمضان يغفر الذنوب يروي الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الصلوات الخمس والجمعة للجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر " . ويروي الإمام أحمد رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". (4) كما أنه يدخل الجنة يروي الإمام أحمد رحمه الله عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله مرني بعمل يدخلني الجنة فقال " عليك بالصوم فإنه لا عدل له ". (6) ولم لا ؟ ففي الجنة باب مخصوص باسمهم يروي الإمامان الجليلان البخاري وسلم رحمهما الله عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إن في الجنة بابا يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون . ينادي أين الصائمون فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل منه أحد سواهم ". (7) والصوم يبعد عن النار يروي الجماعة إلا أبو داوود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ". (
والصوم ربع الإيمان يروي الدارمي رحمه الله عن سعيد بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان ويقول الله تعالي إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب " .(9) دعاء الصائم مستجاب روي البيهقي رحمه الله عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل. والصائم حتى يفطر. ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين).
من أجل ذلك فقد حذر الإسلام من التهاون في بأمر الصيام فمن أفطر في رمضان بعذر فحكمه منصوص عليه في شرع الله . لكن من أفطر في رمضان من غير عذر ولا رخصة رخصها الله قال الذهبي رحمه الله " إنه شر من الزني ومن الخمر ويشك في إسلامه ويظن به الزندقة والانحلال بل هو كافر مرتد يروي الإمام أبو يعلي رحمه الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال صلي الله عليه وسلم " عري الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليها أسس الإسلام فمن ترك واحدة منها فهو بها كافر حلال الدم الشهادتان والصلاة المكتوبة وصوم رمضان ". حتى إنه لو أراد القضاء لن يستطيع يروي الإمام أبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم " من أفطر يوما في رمضان بغير عذر ولا رخصة رخصها الله لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه ". ومن ناحية أخري إذا كان الله سيغفر للمقصرين المذنبين فإنه لن يغفر للمجاهرين بفطرهم في رمضان لأنهم فوق عصيانهم بفطرهم فقد جاهروا بالفطر كأنهم يعلنون الحرب علي الله وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم " كل أمتي معافا إلا المجاهرين " .
والصوم من التكاليف الشرعية التي شرعت ليحصل بها العبد حكما أرادها الله الحكيم منها فقد شرع إظهارا للعبودية لله فالصائم يترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله وفي ذلك يقول الله في حديثه القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة ترك طعامه وشرابه من أجلي " . وشرع تزكية للنفس وتطهيرا لها من الأخلاق الدنيئة والأخلاط السيئة وفي ذلك يروي الإمام أبوداوود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : يقول النبي صلي الله عليه وسلم " إن الشيطان يجري من بن آدم مجري الدم من العروق فضيقوا عليه بالجوع والعطش " . وتذكيرا للغني بما يشعر به الفقير من ألم الجوع والعطش فيعرف نعمة ربه عليه واسمع لربك " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار " .
وللصوم فوائد اجتماعية فهو يعود الأمة علي النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة ويصون المجتمع من الشرور والمفاسد . وله فوائد صحية فهو يطهر الأمعاء فلولاه لتعفنت الأمعاء . ويصلح المعدة التي هي بيت الداء وينظف البدن من الفضلات ويخفف السمنة والشحوم وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم " صوموا تصحوا " . وقد جمع الله الطب كله في آية واحد " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " ويتحقق هذا مع الصيام كما أنه يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة وينشئ ملكة التقوى وهذا ما قصده الله " كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون " .
الثانية :
روي بن خزيمة في صحيحه والبيهقي وبن حبان عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غني لكم عنهما أما اللتان ترضون بهما ربكم فقول لا اله إلا الله والاستغفار وأما اللتان لا غني لكم عنهما تسألون الله الجنة وتتعوذون به من النار " . أما قول لا اله إلا الله وبالجملة ذكر الله أفضل ما يشغل به الإنسان نفسه في رمضان لا سيما إذا كانت خالصة مخلصة من قلبه وجوارحه فقد روي الإمام البخاري رحمه الله سأل أبو هريرة رسول الله صلي الله عليه وسام من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله فقال لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا احد سواك . من قال لا اله إلا الله مخلصا من قلبه وروي الطبراني عن زيد بن أرقم وما إخلاصها يا رسول الله قال تحجزه عن محارم الله ". وأما الاستغفار فهو دواء الداء كما روي الإمام البيهقي عن انس بن مالك رضي الله عنه قال أخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بدائكم ودوائكم قالوا بلي يا رسول الله قال داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار ".